شمس الحرية ادارة المنتدى
العمر : 38 عدد المساهمات : 390 الجنس : تاريخ الميلاد : 13/03/1986
| موضوع: الجرأة الخادعة في رقصة الإسرائيلي "فولمان" مع بشير الجميل السبت أغسطس 01, 2009 9:10 am | |
| غازي بني عودة/الأيام: بالاتكاء على براعة تقنية عالية، وجرأة تمس التفاصيل والنتائج دون الجوهر والمسبب، ينجح المخرج الإسرائيلي "آري فولمان" (الجندي السابق الذي شارك في الحرب على لبنان عام 1982 وما تخللها من مجزرة في صبرا وشاتيلا) في درء المسؤولية عن إسرائيل وينقل المشاهد إلى مساحة أخرى بعيدة عن سؤال الحرب الأول ودور الجيش الإسرائيلي في المجزرة. في فيلمه الكرتوني التوثيقي رقصة "فالس مع بشير" (المقصود بشير الجميل الذي اغتيل بعد أن نصبته إسرائيل رئيساً للبنان عقب اجتياحه عام 1982) يجر المخرج "فولمان" بمكر ودهاء المشاهدين إلى تجاهل السؤال الأبرز: كيف ولماذا الجيش الإسرائيلي على ارض لبنان وفي قلب عاصمته بيروت، وهل هو بريء من مجزرة صبرا وشاتيلا كما يقول الجيش ويردد المخرج من خلفه؟ يبدأ الفيلم الذي عرضه المركز الثقافي الفرنسي ضمن حلقة نقاش نظمها في نابلس أمس بمشهد لـ26 من الكلاب المتوحشة تلاحق المخرج (الجندي) في نومه. مجموعة الكلاب هي تلك التي قتلها هذا الجندي في قرى لبنان عام 1982 كجزء من تكتيك متبع في الجيش الإسرائيلي كونها (الكلاب) تمثل جرس إنذار للفدائيين حين يدخل الجيش هذه القرى ما يمكنهم من الفرار او الحذر. الفيلم يعرض ويوثق حقائق الحرب وما عاشته وشهدته عدة شخصيات حقيقية قدمها المخرج بقالب كرتوني ومن زاوية رؤية لاصقت برج الدبابة التي كان يقف عليها ولم تمتد لرؤية ما يجري عند الضحية الواقفة قبالته. في فيلمه الذي استمد اسمه من مشهد لجندي اسرائيلي يطلق النار بهستيرية راقصة أمام صورة لبشير الجميل بعد اغتياله يقدم "فولمان" نفسه كملاك أجبرته الظروف ورفاقه على الذهاب لحرب تعاطوا معها اثناء عبورهم لبنان "كنزهة يوم طويل" (كما يقول في احد المشاهد) ليكتشف نفسه متورطا في حرب قاسية تركت جرحا عميقا في نفسه وتسبب له بمعاناة لم تتوقف بعد عقدين، فكان فيلمه محاولة للخلاص من كابوس الحرب. المخرج ــ الجندي وبعد عشرين عاما من الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 1982 لا يتذكر ما حصل معه ويبدأ امام الكوابيس التي تلازمه رحلة بحث من خلال حوارات مع رفاقه الذين خاضوا معه تلك الحرب لكشف الحقيقة عن نفسه وعما جرى، فيبدأ سيل من الذكريات التي يحاول احد محاوريه ان يقنعه انها مجرد اوهام وتخيلات لا صلة لها بما حصل في لبنان ما ينطوي على محاولة للتنصل الفردي والجمعي من المسؤولية وهذا يبدو صريحا في قوله "لا يمكن ان اجد احدا ممن كان معي في المجزرة لديه فكرة واحدة عنها، هل هي مجرد حلم" وهو ما يرد عليه احد محاوريه في الفيلم بالقول: "اهتمامك بالمجزرة تطور قبل ان تبدأ وحلك الوحيد ان تعرف حقيقة ما جرى واي دور لعبت" لكنه لا يخوض بالطبع في حقيقة دور الإسرائيلي في المجزرة عوضا عن تجاهله مجزرة لا تقل فظاعة كانت كل ارض لبنان مسرحا لها على مدار اكثر من عقدين من الاحتلال الذي تواصل بعد تلك الحرب. شخصيات الفيلم (وهي حقيقية) تتحرك بحرفية عالية من قبل المخرج على وقع موسيقى اختيرت ببراعة ما يوفر مناخا نموذجيا للسيطرة على عقل المشاهد وعواطفه ويتيح بالتالي حرف الأضواء عن الأسئلة الأساسية للحرب ودور إسرائيل في المجزرة. الفيلم يتحدث عن ذات المخرج (الجندي) ويغوص عميقا في نفسه ويسلط أضواء كاشفة على إنسانيته في وقت يغفل فيه بمكر (لا يخلو في بعض المشاهد من العنصرية) حال الضحية وإنسانيتها التي يمر عليها بمشاهد سطحية عابرة. في "فالس مع بشير" يحاول المخرج ان يغطي على فظائع حرب اسرائيل على لبنان من خلال التركيز على معالجة فكرة الحرب المجردة (اي حرب) وهو واحد من اسباب رئيسة جعلت الفيلم يحظى بترحيب غربي وحتى عربي من قبل قطاع من المشاهدين وبعض النقاد سيما اذا ما اخذ بالاعتبار جهل البعض بحقيقة ما جرى قبل نحو ثلاثة عقود. امتاز الفيلم بجرأة عالية في سرد بعض الحقائق وقد بلغت جرأة المخرج ذروتها حين شبه مجزرة صبرا وشاتيلا بما ارتكبه النازيون الألمان من جرائم، لكن "فولمان" ما يلبث ان يهبط ويعود للدفاع عن إسرائيل وروايتها الرسمية ويتمترس خلف الموقف القائل بعدم معرفة الجيش الإسرائيلي بما كان يجري على ايدي عناصر الكتائب اللبنانية في صبرا وشاتيلا من قتل طال نحو 3000 انسان على مدار يومين رغم انه (المخرج) كان واحدا من الجنود الذين كانوا يطوقون المخيم حين دخلته القوات اللبنانية انذاك. وينحاز المخرج بوضوح إلى رواية الجيش الإسرائيلي الرسمية ويبررها حين يفسر مثلا إقدام عناصر الكتائب على اقتياد مجموعات من سكان المخيم وسوقهم إلى حتفهم ويحصر ذلك بمنطق "ان من يريد النجاة فلا بد ان يخرج من المخيم". ولا يكتفي الفيلم بتبرئة الجندي الذي يراقب ما يجري ويساهم في إطلاق القنابل المضيئة وهو مدرك ان غرفة عمليات جيشه الاسرائيلي كانت على سطح بناية تقع على مسافة ( 100 متر من المخيم) بل انه يوغل في انسنة الجندي "مرهف" الأحاسيس حيث نشاهد ارتجاج صدره امام خفقان قلبه حين دخل المخيم بعد المجزرة!! ويقول الكاتب والمحاضر في جامعة النجاح الوطنية الدكتور عادل الاسطة تعقيبا على ما حمله الفيلم: "لم ار فيه أي جديد، انه الجندي الاسرائيلي الذي يجبر على القتل". ويتساءل الاسطة عما اذا كان هذا الفيلم "مجرد ترجمة اسرائيلية سينمائية لما جاء في (ذاكرة للنسيان) للراحل درويش ومجمل كتاباته التي تناول فيها الإسرائيلي". ويرى الدكتور صالح عبد الجواد المحاضر في جامعة بيرزيت ان الفيلم "محاولة للتطهير الذاتي وضرورة النسيان ولم يخرج عن فكرة اقتل ثم اذرف الدموع". هكذا تعاطى "فولمان" مع الحرب كخيار كان دفع له (برفع الدال) كجندي، ومن هنا يبقى يدور ضمن مساحة إنسانية الجندي ولا يغادرها الا لماما فيبقى ما تعرضت له الضحية فعل مجهول او على الاقل خارج عن ارادة ودور الجندي وحتى المؤسسة الإسرائيلية التي لا يتوانى عن تقديم صك براءة لها حين يدخل المخيم الذي كان تعرض لمجزرة أمام عينيه على مدار يومين!! " فالس مع بشير" لم يخرج عن سعي اسرائيلي برز مؤخرا لإراحة الضمير وتسكينه عبر شذرات حقائق ومواقف باهتة لا ترقى للاعتراف بمسؤولية الذات عن مأساة الفلسطيني، هكذا فعل "بيني موريس" الذي تصدر لائحة ما يسمى "المؤرخون الجدد" وهنا يندرج فيلم "آري فولمان". بقي ان نشير الى التاريخ الذي اختاره "فولمان" لعرض رقصته سالفة الذكر والذي لم يكن مجرد صدفة، المخرج اختار يوم 15/ ايار يوم النكبة الفلسطينية (يوم تأسيس اسرائيل واحتفالها بمرور 60 عاما على قيامها) موعدا للعرض ما يكشف هشاشة وحقيقة الموقف والرؤية
| |
|