لكن الفيلم يريد التأكيد على أن السلطة الأردنية أخذت مواقفها ضد الثورة،
منذ البدء، وهي منذ منتصف العام 1969 بدأت العمل لتهيئة الأجواء لضرب
الثورة، حيث بدأت بمحاولة زرع الفرقة والشقاق بين الثورة الفلسطينية
والشعب، ومنها الأخذ بتضخيم الأخطاء التي بدرت من الثورة، والادعاء بأن
الثورة تستهدف النيل من كرامة الجيش الأردني. وصولاً إلى اشتعال النار في
عمان وإربد والزرقا..لقد هُزمت الثورة هزيمة نكراء أمام الجيش الأردني،
والفيلم لن يتوانى عن عرض ما أمكنه من مشاهد من الدمار في المخيمات. القتل
والتدمير. وخراب البيوت. ضرب المستشفيات. لجوء الفلسطينيين إلى الجوامع.
استنجاد الناس بالثورة، ورجال الميليشيا. وفضلاً عن المشاهد الحية قام
المخرج باستخدام صور فوتوغرافية من الصحف، والمنشورات، والاهتمام بتحريك
الكاميرا على تفصيلات من الصورة، بحيث تبدو الكاميرا تقرأ المانشيتات،
وتتأمل تفاصيل الصور، والرسوم الكاريكاتورية.. والكشف عن التضامن العربي
والدولي مع الثورة، من خلال تسجيلات صوتية، أقوال وأشعار وخطابات، ورسائل
إلى مؤتمر القمة العربية، لينتهي إلى حديث عرفات عن ملحمة عمان، وعن
استكمال المشوار.يعتبر فيلم (بالروح بالدم) الفيلم الثاني الذي أنتجته
الثورة (حركة فتح تحديداً). وإذا انتبهنا إلى أنه يعود إلى فترة مبكرة
تماماً، في عمر السينما الفلسطينية، بل عموم السينما العربية (باستثناء
مصر) فيمكننا القول إن المجموعة التي عملت في هذا الفيلم، والمخرج مصطفى
أبو علي، التي استلم قيادها والإشراف عليها، حاولوا استخدام كل ما يمكن من
أساليب وطرق عمل الفيلم التسجيلي الوثائقي، وصولاً إلى توظيف مشاهد
تمثيلية مصنّعة (على سذاجتها) من أجل الفيلم، وبالتالي فإن الفيلم كان
مدرسياً حرفياً من الناحية البنائية الفنية، ولم يخرج عن تقليدية الفيلم
التسجيلي. يُروى أن هذا الفيلم قد عُرض على من حضر مؤتمر القمة العربي،
الذي عقد ذاك العام، في دلالة على أهمية الفيلم السينمائي، كوثيقة بصرية
حاسمة.(عدوان صهيوني) 1972:فيلم تسجيلي وثائقي قصير مدته (22 دقيقة) يسجّل
الصورة البشعة للعدوان الصهيوني ضد العزل، من المدنيين في مخيمات
فلسطينية، وقرى في سوريا ولبنان، رداً على عملية ميونيخ الشهيرة، التي
نفذها فدائيون فلسطينيون ضد الوفد الرياضي (الإسرائيلي) المشارك في
أولمبياد ميونيخ عام 1972.في فيلمه هذا، يقدم مصطفى أبو علي المشاهد
المسجّلة عن آثار تلك الغارات الوحشية، فيعرض لصور الجثث والأشلاء، كما
يعرض لحجم الدمار الكبير، وينهج المخرج أسلوب تقديم غالبية المشاهد بصمت،
وبدون أدنى مؤثرات، أو موسيقا مرافقة، وحتى دون أي تعليق..هنا وعلى الرغم
من أن المخرج يتحدث عن الموضوع ذاته، الاعتداءات والمجازر والقتل، إلا أن
هذا الفيلم يختلف عن سابقه تماماً. يبدأ الفيلم بلقطات واسعة تتأمل في
جرود وجبال وأحراش متناثرة في الريف السوري واللبناني. قطعان ماعز. صوت
الثغاء، وخرير مياه النهر. تبدو الكاميرا وهي تتجوّل بلقطات بانورامية،
واسعة ثم متوسطة وقريبة، بين الحقول والمزارع، والبساتين والكروم. نهاية
الصيف. جمع المواسم. البيادر. درس سنابل القمح، بداية الطريق لتتحول إلى
أرغفة خبز. الحياة تسير بكل ببطء وهدوء ورخاوة.. ولكن أيلول مرة أخرى على
الأبواب..!يقطع المخرج انسياب هذه الحياة على الشاشة من خلال إيراده كتابة
أولى تقول: (أفلام فلسطين.. تقدّم.. عدوان صهيوني). وهي حالة أولى، في
السينما الفلسطينية، لتأخير عنوان الفيلم، واسم منتجه، إلى ما بعد الدخول
في الفيلم. ثم كتابة تالية توضّح: (في 8 أيلول 1973 قام طيران العدو
الصهيوني بقصف المدنيين ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في جنوب وشمال لبنان
وسوريا).. وستتم إعادة الكتابة باللغة الإنكليزية، ثم بالفرنسية.. بهذه
الطريقة يخرج الفيلم متلقيه من الحالة البدئية التي قدّمها؛ سلامة العيش
وأمنه، إلى ما يفعله العدوان الصهيوني: مشاهد من الغارات. صوت أجهزة
الإنذار. سيارة إسعاف مسرعة. التدمير، الحرائق، أعمدة الدخان. الخراب،
والتحطيم، للبيوت والممتلكات.. الجثث والأشلاء الممزقة للناس وحيواناتهم..
عدد قليل من الناس يبحثون عما تبقى لهم من ناس أو ممتلكات.. إخراج جثث من
تحت الركام. جثث أطفال وطلاب مدارس.الصمت يخيّم على المكان.. لا يستخدم
المخرج أي مؤثّر صوتي. ربما يريد أن يترك المشاهد يسمع صوت آلة العرض،
فقط، مع التركيز القاسي، في هذا الصمت الموحش، على المشاهد الموجعة (رأس
طفل فلقته شظية، وبطن طفل آخر مُزِّقت أحشاؤه). أطفال جرحى في المستشفيات.
مشاهد من تدمير مدارس، ودوائر حكومية. انتشال جثة فتى متصلّبة من البحر.
تدمير في كل مكان، ومصوّر أجنبي يجول بكاميرته بين هذا الحطام. مدنيون،
رجال ونساء، في نظرات ذاهلة تكاد لا تصدّق أن هذا يحصل. مشاهد النادبات
النائحات. تشييع الضحايا في أعراس وطنية، يمتزج فيها التكبير بالشعار
بالتصفيق بالعويل.. مسيرات تعلن أن المقاومة مستمرة..وهنا سيظهر الصوت
عندما نرى رشاش المقاومة وهو يتصدَّى لطائرة (إسرائيلية)..(عدوان صهيوني)
محاولة للتعبير بالصورة عما يجري
يتبع باقى الموضوع
.